الفهرس

   

الصفحة الرئيسية

 

(2)

التجزئة الموضوعية

المشكلة الثانية التي يعاني منها الكثير من أبناء الأمة، هي (التجزئة الموضوعية) في فهم القرآن الكريم. فهذه القطاعات تحاول أن تفهم كل آية، آية، من القرآن، بشكل مستقل، بعيداً عن فهم الآيات الأخرى، وكأن كل آية عالم مستقل، وقائم بذاته. وقد ترتب على ذلك أمران:

1 - الفهم الخاطئ لبعض الآيات القرآنية.

فالقرآن (كائن حي) يرتبط بعضه مع بعض، ويتفاعل بعضه مع بعض، والفصل بين أجزاء هذا الكائن، يعني الحكم عليه بالموت!

وكما أن الطبيب يجب عليه أن يقوم بـ (فحص شامل) لجسد المريض، دون أن يقتصر على العضو الفاسد. وكما أن بعض الأمراض العضوية، توجد جذورها في أعضاء أخرى، ولا يستطيع الطبيب القضاء على المرض إلا بفحص تلك الأعضاء، والقضاء على النقص الطارئ فيها.

كذلك - ولا مناقشة في الأمثال - لا يستطيع الفرد أن يفهم القرآن بشكل سليم إلا بعد أن يجمع بعضه مع بعض، ويلاحظ التفاعل، والارتباط فيما بين أجزائه المتفرقة.

ومن هنا جاء في الأحاديث: (يشهد بعضه ببعض، وينطق بعضه ببعض).

لقد وجدت على امتداد التاريخ الإسلامي مذاهب كثيرة منحرفة مثل: (الصفاتية) و (الحشوية) و (المشبهة) و (الكرامية) و (الجبرية)[1] وغيرها. وهذه المذاهب كانت تستند إلى بعض الآيات القرآنية في دعم أفكارها الخاطئة، وكان الخطأ الذي ارتكبته هذه المذاهب - أو على الأصح: جزء الخطأ - هي (النظرة التجزيئية) إلى آيات القرآن. كانوا يجدون آية تتحدث في موضوع معين، وكان ظاهرها يعطي معنى معيناً، فكانوا يتمسكون بذلك المعنى، ضاربين بسائر الآيات الواردة في هذا الموضوع عرض الجدار! هذا، في الجانب العقائدي.

أما في الجانب العملي، فقد أخطأ الكثيرون في فهم بعض الآيات القرآنية، التي تصوروها تدعو إلى الكسل، وإلى الجلوس في زوايا البيوت، وانتظار (الفرج) من السماء! ذلك لأنهم نظروا إلى هذه الآيات نظرة (أحادية الجانب) ولم يجمعوها مع سائر الآيات القرآنية التي تدعو إلى العمل، والجهاد، والتحرك[2].

إذن، فالنظرة التجزيئية إلى آيات القرآن الكريم تعني في كثير من الأحيان، فهم هذه الآيات بشكل خاطئ.

2 - الفهم الناقص لـ (الموضوعات القرآنية).

فالقرآن الكريم لم يُجمع بشكل موضوعي، أي لم يوضع كل موضوع منه في فصل مستقل، بل أن الآيات المتعلقة بموضوع واحد تتقاسمها عشرات السور، ولذلك أصبح ضرورياً على كل من يريد أن يخرج بـ (رؤية قرآنية متكاملة) حول موضوع ما، أن يمارس (النظرة الشمولية) للآيات المرتبطة بذلك الموضوع.

أما (التجزئة الموضوعية) فهي لا تعطينا إلا رؤية ناقصة، ومبتورة في كثير من الأحيان، هذا بالإضافة إلى أننا نسخر بسبب ذلك من الكثير من المعطيات التي يمنحنا إياها (الفهم الشمولي) حينئذ، كما سنوضح ذلك فيما بعد.

والسؤال الآن هو: كيف نقوم بـ (الفهم الموضوعي) للقرآن الكريم؟!

والجواب: إن العملية يجب أن تسير في أربع مراحل:

1 - جمع الآيات القرآنية المرتبطة بالموضوع المقصود، من مختلف السور القرآنية.

أما كيف يتم ذلك؟ فعن أحد طريقين:

أحدهما: الكتاب الذي ألفه المستشرق الفرنسي (جول لابوم) والذي نسق فيه الآيات حسب مواضيعها تحت عنوان (تفصيل آيات القرآن الحكيم)[3] مع ملاحظة ملحقة أيضاً.

ثانيهما: المعجم الذي وضعه الأستاذ (محمد فؤاد عبد الباقي) والذي تناول فيه (الألفاظ) القرآنية على أسلوب المعاجم اللغوية تحت عنوان (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم).

وأسلوب الرجوع إلى هذا المعجم، هو تجريد (الموضوع) المراد بحثه عن الزوائد الصرفية، ثم البحث عنه في طيات هذا الكتاب، فمثلاً: تبحث عن الزكاة في مادة (ز. ك. و) وعن الصلاة في مادة (ص. ل. و) وعن الصوم في مادة (ص. و. م) وهكذا، وهلم جراً.

2 - فرز الآيات، وتصنيفها، ووضع كل واحدة منها مع زميلاتها المماثلة لها.

3 - ترتيب هذه المجموعات، على حسب ما يقتضيه (الإطلاق والتقييد) و (العموم والخصوص) و (التقدم والتأخر) وغير ذلك.

4 - وأخيراً، استنباط (الرؤية المتكاملة والنهائية) من خلال ذلك.

ولا ننسى أن نؤكد هنا مرة أخرى ضرورة الرجوع إلى بعض التفاسير، وإلى روايات المعصومين (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

[1]للمزيد من التفاصيل راجع (التمهيد) ج3 ص56 - 72.

[2]بالإضافة إلى أنهم أخطأوا في فهم نفس تلك الآيات.

[3]هذا الكتاب منقسم إلى (18) باباً، وهي: التاريخ، محمد (صلى الله عليه وآله)، التبليغ، بنو إسرائيل، التوراة، النصارى، ما بعد الطبيعة، التوحيد، القرآن، الدين، العقائد، العبادات، الشريعة، النظام الاجتماعي، العلوم والفنون، التجارة، علم تهذيب الأخلاق، النجاح. وتندرج تحت كل باب من هذه الأبواب فصول متعددة.