الفهرس

موسوعة الكلمة

الصفحة الرئيسية

 

أحكام

الصدقة حرامٌ علينا [1]

وعند دخول السبايا مدينة الكوفة بتلك الحالة المزرية التي يحدّثنا بها التاريخ، كانت أمّ كلثوم تنظر إلى ذلك وقد اشتدّ بها الوجد، وأمضَّ بها المصاب، وزاد في وجدها أن ترى أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم:

يا أهل الكوفة، إن الصدقة علينا حرام، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض.

قال مسلّم الجصّاص: والنّاس يبكون على ما أصابهم.

ثم إنّ أمّ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم: صه يا أهل الكوفة، تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم! والحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء.

مناقضات

لئن ظاهرتما عليه [2]

لمّا نزل عليّ (عليه السّلام) بذي قار كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر: أمّا بعد، فإنّي أخبرك أنّ عليّاً قد نزل ذا قار، وأقام بها مرعوباً خائفاً لِمَا بلغه من عدّتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشقر إن تقدّم عقر، وإن تأخّر نحر. فدعت حفصة جواري لها يتغنّين ويضربن بالدفوف، فأمرتهنّ أن يُقْلنَ في غنائهن: ما الخبر ما الخبر، عليّ في السفر، كالفرس الأشقر، إن تقدّم عقر، وإن تأخّر نحر، وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة ويجتمعن لسماع ذلك الغناء؛ فبلغ أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) فلبست جلابيبها، ودخلت عليهنّ في نسوة متنكّرات، ثمّ أسفرت عن وجهها، فلمّا عرفتها حفصة خجلت واسترجعت. فقالت أمّ كلثوم:

لئن ظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل فأنزل الله فيكما ما أنزل [3]. فقالت حفصة: كُفّي رحمك الله، وأمرت بالكتاب فمزّق....

سياسات

ما لكم خذلتم حسيناً [4]

قال: وخطبت أمّ كلثوم بنت عليّ (عليه السّلام) في ذلك اليوم الذي أدخلوهم الكوفة من وراء كلّتها، رافعة صوتها بالبكاء، فقالت:

يا أهل الكوفة، سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه، وسبيتم نساءه ونكبتموه، فتبّاً لكم وسحقاً.

ويلكم أتدرون أيّ دواة دهتكم؟ وأيّ وزرٍ على ظهوركم حمّلتم؟ وأي دماء سفكتموها؟ وأيّ كريمةٍ أصبتموها؟ وأيّ صبية سلبتموها؟ وأيّ أموال انتهبتموها؟ قتلتم خير رجالات بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ونزعت الرحمة من قلوبكم ألا إن حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت:

قتلتم أخي صبراً فويلٌ لأمّكم***ستجزون ناراً حرُّها يتوقّدُ

سفتكم دماءً حرّم الله سفكها***وحرّمها القرآن ثم محمّدُ

ألا فابشروا بالنار إنّكم غداً***لفي سقرٍ حقاً يقيناً تخلّدوا

وإنّي لأبكي في حياتي على أخي***على خير من بعد النبيّ سيولدُ

بدمع غزير مستهلّ مكفكف***على الخدّ منّي دائماً ليس يجمدُ

قال الراوي: فضجّ النّاس بالبكاء والنوح، ونشر النّساء شعورهنّ ووضعن التراب على رؤوسهن، وخمشن وجوههنّ، وضربن خدودهنّ، ودعون بالويل والثبور، وبكى الرجال ونتفوا لحاهم، فلم ير باكية وباكٍ أكثر من ذلك اليوم.

عذلٌ وعتاب [5]

لمّا عاد أهل البيت من سبيهم واقتربوا من مدينة جدّهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) توجّهت أم كلثوم إلى المدينة وجعلت تبكي وتقول:

مدينة جدّنا لا تقبلينا***فبالحسرات والأحزان جئنا

ألا فاخبر رسول الله عنا***بأنا قد فجعنا في أبينا

و أن رجالنا بالطفّ صرعى***بلا رؤوس وقد ذبحوا البنينا

و أخبر جدّنا أنّا أسرنا***و بعد الأسر يا جدّا سبينا

و رهطك يا رسول الله أضحوا***عرايا بالطفوف مسلّبينا

و قد ذبحوا الحسين ولم يراعوا***جنابك يا رسول الله فينا

فلو نظرت عيونك للأسارى***على أقتاب الجمال محملينا

رسول الله بعد الصون صارت***عيون النّاس ناظرة إلينا

و كنت تحوطنا حتى تولت***عيونك ثارت الأعدا علينا

أفاطم لو نظرت إلى السبايا***بناتك في البلاد مشتتينا

أفاطم لو نظرت إلى الحيارى***و لو أبصرت زين العابدينا

أفاطم لو رأيتينا سهارى و***من سهر الليالي قد عمينا

أفاطم ما لقيتي من عداكي***و لا قيراط ممّا قد لقينا

فلو دامت حياتك لم تزالي***إلى يوم القيامة تندبينا

و عرج بالبقيع وقف وناد***أيا ابن حبيب رب العالمينا

و قل يا عم يا حسن المزكى***عيال أخيك أضحوا ضائعينا

أيا عمّاه إن أخاك أضحى***بعيدا عنك بالرمضاء رهينا

بلا رأس تنوح عليه جهرا***طيور والوحوش الموحشينا

و لو عاينت يا مولاي ساقوا***حريما لا يجدن لهم معينا

على متن النياق بلا وطاء***و شاهدت العيال مكشفينا

مدينة جدنا لا تقبلينا***فبالحسرات والأحزان جئنا

خرجنا منك بالأهلين جمعاً***رجعنا لا رجال ولا بنينا

و كنا في الخروج بجمع شمل***رجعنا حاسرين مسلّبينا

و كنا في أمان الله جهراً***رجعنا بالقطيعة خائفينا

و مولانا الحسين لنا أنيس***رجعنا والحسين به رهينا

فنحن الضائعات بلا كفيل***و نحن النائحات على أخينا

و نحن السائرات على المطايا***نشال على جمال المبغضينا

و نحن بنات يس وطه***و نحن الباكيات على أبينا

و نحن الطّاهرات بلا خفاء***و نحن المخلصون المصطفونا

و نحن الصابرات على البلايا***و نحن الصادقون الناصحونا

ألا يا جدّنا قتلوا حسينا***و لم يرعوا جناب الله فينا

ألا يا جدّنا بلغت عدانا***مناها واشتفى الأعداء فينا

لقد هتكوا النّساء وحملوها***على الأقتاب قهرا أجمعينا

و زينب أخرجوها من خباها***و فاطَمْ والهٌ تبدي الأنينا

سكينة تشتكي من حرّ وجدٍ***تنادي الغوث ربّ العالمينا

و زين العابدين بقيد ذلٍ***و راموا قتله أهل الخؤونا

فبعدهم على الدنيا تراب***فكأس الموت فيها قد سقينا

و هذي قصَّتي مع شرح حالي***ألا يا سامعون ابكوا علينا

متفرقات

وا ضيعتنا بعدك [6]

وجعلت أمّ كلثوم تنادي:

واأحمداه، واعليّاه، واأمّاه، واأخاه، واحسيناه، واضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله.

فعزّاها الحسين (عليه السّلام) وقال لها: يا أختاه، تعزّي بعزاء الله، فإنّ سكان السماوات يفنون، وأهل الأرض كلّهم يموتون وجميع البريّة يهلكون.

ثمّ قال: يا أختاه، يا أمّ كلثوم، وأنت يا زينب، وأنت يا فاطمة، وأنت يا رباب، انظرن إذا أنا قتلت فلا تشققنّ عليّ جيباً، ولا تخمشنّ عليّ وجهاً، ولا تقلن هجراً.

ارجع يا بنيّ [7]

روى الشيخ التستري (رحمه الله) استغاثات الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء، وعزم الإمام زين العابدين (عليه السّلام) على الجهاد، فقال: فأخذ بيده عصاً يتوكّأ عليها، وسيفاً يجرّه في الأرض فخرج من الخيام، وخرجت أمّ كلثوم خلفه تنادي:

يا بنيّ، ارجع، وهو يقول:

يا عمّتاه، ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله، فقال الحسين (عليه السّلام): يا أمّ كلثوم، خذيه، لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فأرجعته أم كلثوم.

واأبا القاسماه [8]

وبعد مصرع الحسين (عليه السّلام) أقبل فرسه إلى الخيام، ووضعت أم كلثوم يدها على أمّ رأسها، ونادت:

وا محمّداه، وا جدّاه، وا أبتاه، وا أبا القاسماه، وا عليّاه، وا جعفراه، وا حمزتاه، وا حسناه، هذا حسين بالعراء، صريع بكربلاء، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والردا، ثمّ غشي عليها.

اجعل الرأس أمامنا [9]

ويلك هذه الألف درهم خذها إليك واجعل رأس الحسين أمامنا واجعلنا على الجمال وراء النّاس ليشتغل النّاس بنظرهم إلى رأس الحسين عنّا فأخذ الألف وقدم الرأس فلمّا كان الغد أخرج الدراهم وقد جعلها الله حجارة سوداء مكتوباً على أحد جانبيها ((وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)) وعلى جانب الآخرة ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ))[10].

 جاء الجواد [11]

ثمّ إنّ أمّ كلثوم لمّا سمعت صهيل الجواد وهو مقبلٌ نحو الخيام خرجت في استقباله، فلمّا رأته بتلك الحالة، بلا راكب ولا صاحب، خرجت وبكت وأنشأت تقول:

مصيبي فوق أن أرثي بأشعاري***وأن يحيط بها علمي وأفكاري

شرّفت بالكأس في صنو فجعت به***وكنت من قبل أرعى كلّ ذي جار

فاليوم أنظره بالترب مجندلاً***لولا التحمّل طاشت فيه أفكاري

كأنّ صورته في كلّ ناحية***شخص يلايم أوهامي وأخطاري

قد كنت أمّلت آمالاً أسرُّ بها***لولا القضاء الذي في حكمه جاري

جاء الجواد فلا أهلاً بمقدمه***إلاّ بوجه حسين طالب الثار

ما للجواد لحاه الله من فرس***أن لا يحدّل دون الضيغم الضاري

يا نفس صبراً على الدنيا ومحنتها***هذا الحسين إلى ربّ السما ساري

فلمّا سمع باقي الحرم شعرها خرجن فنظرن إلى الفرس عارياً والسرج خالياً، فجعلن يلطمن الخدود، ويشقّقن الجيوب وينادين: وامحمّداه، واعليّاه، واحسناه، واحسيناه، اليوم مات محمّد المصطفى، اليوم مات محمّد المصطفى، اليوم مات عليّ المرتضى، اليوم ماتت فاطمة الزهراء، ثم بكت أمّ كلثوم وأومت إلى أختها زينب (عليها السّلام) وأنشأت تقول:

لقد حملتنا في الزّمان نوائبه***ومزّقتنا أنيابه ومخالبه

وجار علينا الدهر في دار غربة***ودبّت بما نخشى علينا عقاربه

وأفجعنا بالأقربين وشتّتت***يداه شملاً عزيزاً مطالبه

وأردى أخي والمرتجى لنوائبي***وعمّت رزاياه وجلّت مصائبه

حسين لقد أمسى به الترب مشرقاً***وأظلم من دين الإله مذاهبه

لقد حلّ بي منه الذي لو يسيره***أناخ على رضوى تداعت جوانبه

ويحزنني أنّي أعيش وشخصه***مغيّب تحت التراب ترائبه

فلم يبق لي ركن ألوذ بظلّه***إذا غالني في الدهر ما لا أغالبه

تمزّقنا أيدي الزمان وجدّنا***رسول الله عمّ الأنام مواهبه


[1] ـ عوالم سيّدة النّساء 2/ قال:...

[2] ـ عوالم سيّدة النّساء 2/ 1013: قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة:...

[3] ـ إشارة لقوله تعالى: ((وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)) التحريم، 4.

[4] ـ اللهوف 67-68:...

[5] ـ بحار الأنوار، ج45، ص197-198.

[6] ـ عوالم سيّدة النّساء 2/ 1014 عن اللهوف قال: روى السيّد ابن طاوس (رحمه الله) في كتاب اللهوف وداع الحسين (عليه السّلام) للعائلة، قال:...

[7] ـ عوالم سيّدة النّساء، 2/ 1014، عن الخصائص الحسينية قال:..

[8] ـ عوالم سيّدة النّساء 2/ 1015 قال:...

[9] ـ بحار الأنوار، ج45/ 304، عن ابن عباس: أنّ أمّ كلثوم قالت لحاجب ابن زياد:...

[10] ـ سورة الشعراء: الآية 227.

[11] ـ مقتل أبي مخنف، ص150، طبعة بيروت:...