المؤلفات |
شورى المراجع |
|
المسلمون بحاجة إلى مؤسسة علمائية ترعى شؤونهم الدينية والدنيوية، وحسب الواقع والشرع فإنّ هذه المؤسسة القيادية لابد أن تكون متمثلة بشورى المراجع الذين يمثلون المرجعيات العامة التي ترجع إليها الأمة، فكان لابُدّ من إيجاد هذه المؤسسة التي لا تنتهي بموت المرجع، فإذا مات مرجع جاء محله مرجع آخر وهكذا. علينا أن نستفيد من تجارب المسيحيين الذين كانوا مشتتين إلى نصف قرن تقريباً، حتى أنشؤوا مؤسسة البابوية التي أصبحت مرجعاً للمسيحيين في العالم[1]باختلاف مذاهبهم وفرقهم، فتقدمت الكنيسة المسيحية أشواطاً كبيرة بعد إيجاد هذه المؤسسة القيادية. فلا بدّ من إيجاد مؤسسة قيادية للمسلمين لتوحيد صفوفهم ولإدارة أمورهم، وقد ذكرنا تفاصيل كثيرة عن شرعية هذه المؤسسة في كتاب (الشورى في الإسلام)[2]. وليس شورى المراجع بُدعاً، فقد كان متعارفاً في السابق وجود تشاور بين المراجع بأشكال وأنماط مختلفة[3]، واستمر هذا التشاور حتى زمن الآخوند الخراساني[4] صاحب الحركة الدستورية في إيران، وقد انتهى العمل بمبدأ شورى المراجع بعد ذلك، فتراجع وضع المسلمين، وانتكسوا الانتكاسة الكبرى، فمن الضرورة العودة إلى هذه المؤسسة والعمل بقولـه: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ))[5] و:((وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ))[6]. فإذا وجدت هذه المؤسسة القيادية انتشر الخير، وساد الغنى والسعادة أرجاء البلاد الإسلامية كما كان في السابق، وكما كان الاستبداد مصدر كلّ شر كان شورى الفقهاء مصدر كل خير. هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا المختصر، والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين. ((سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))[7].
|
|
[1] للتفصيل عن هذه المؤسسة والهيكل الإداري فيها راجع كتاب (الفاتيكان) للمؤلف بول بوبار، موسوعة زدني علماً، منشورات عويدات . [2] هو كتاب من القطع المتوسط يقع في 140 صفحة طبع مراراً وتكراراً في عدة دول وبلغات مختلفة وآخر طبعة مزيدة ومنقحة صدرت عن مؤسسة الوعي الإسلامي . [3] مثلاً : هناك تشاور على الصعيد الفتوائي، حيث يشكل العلماء لجاناً لاستنباط الأحكام الشرعية والفتيا، وهناك تشاور على الصعيد السياسي في مواجهة الاعتداءات كما حصل ذلك بالنسبة لإنقاذ إيران من الغزو الروسي في عهد فتح علي شاه، حيث شكلت لجنة للدفاع عن إيران تضم السيد محمد المجاهد والشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ أحمد النراقي، وكما حصل في ثورة التنباك في إيران حيث تصدى ثمانية علماء وعلى رأسهم المجدد الشيرازي، وكما حصل بالنسبة إلى ثورة العشرين في العراق حيث شكل الشيخ محمد تقي الشيرازي مجلساً يضم أكثر من سبعين فقيهاً وعالماً أمثال : السيد أبي الحسن الأصفهاني وشيخ الشريعة الأصفهاني والميرزا النائيني والسيد الكاشاني والسيد محمد تقي الخوانساري والشيخ مهدي الخالصي والسيد محمد سعيد الحبوبي والشيخ مهدي الخراساني والشيخ محمد رضا الشيرازي، وكما حصل عندما تعرض العراق للاعتداء سنة 1223هـ فتصدى لهذا الاحتلال كلٌّ من الشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ حسن الجواهري والسيد محمد جواد العاملي صاحب كتاب (مفتاح الكرامة)، وكما حصل بالنسبة للدفاع عن جنوب إيران منطقة (هرمز كان)، حيث تصدى لهذا الاحتلال الشيخ جعفر المحلاتي والشيخ حسين البرازجاني والشيخ علي الكازروني. [4] الشيخ محمد كاظم بن حسين الهروي الخراساني، زعيم الحركة الدستورية في إيران، ولد في مشهد الرضا سنة 1255هـ (1839م)، وتوفي في النجف الأشرف سنة 1329هـ (1911م)، هاجر إلى العراق سنة 1279هـ (1862م)، تتلمذ عند الشيخ الأنصاري والسيد محمد حسن الشيرازي، آلت إليه المرجعية بعد وفاة السيد الشيرازي سنة 1312هـ (1895م)، له مواقف سياسية عديدة، فقد تزعم الحركة الدستورية والحكم النيابي في البلاد التي كان يسودها الحكم الديكتاتوري ، حيث شكل سنة 1908م مجلساً من العلماء يضم 33 مجتهداً منهم : الميرزا خليل حسين والسيد عبد الله المازندراني، ثم أصدر فتوى بوجوب إسقاط الشاه محمد علي وحرمة دفع الضـرائب للدولـة، وأدت جهوده إلـى إسقاط الشاه محمد علـي القاجـاري وإعـلان الدسـتور والحيـاة النيابيـة، ومـن مواقفـه (قدس سره) أيضاً مساندتـه للشـعب اللّيبي فـي صراعـه مـع الاحتلال الإيطـالي، فأصـدر فتـوى بالجهـاد المقـدس، كمـا وجـه دعـوة الجهاد ضد الـروس الذين أرادوا احتلال إيران، وتحـرك ومعـه جمع من العلماء إلى إيران لمقاومة الغزو الروسي، وبينما هو يستعد لذلك اغتاله الروس بالسم، من أهم مؤلفاته : (كفاية الأصول) والذي عليه مدار التدريس في الحوزات العلمية والذي عليه قرابة مائتي شرح وتعليقة . [5] سورة الشورى : الآية 38. [6] سورة آل عمران : الآية 159. [7] سورة الصافات : الآيات 180ــ 182. |